العسل العالمي

وقت القراءة : 5 دقيقة

العسل العالمي وكمياته الضخمة مثيرة فعلا للاستغراب؛ لكن هل تعلم عزيزي القارئ أن نحل العسل ينتج عسلا قليلا على مستوى العالم؟ وذلك بسبب التلوث بالمبيدات والتطرف المناخي وغيرها من الأسباب -التي سنتعرض لها- مما يؤدي إلى إنتاجية قليلة، ومن ثم ارتفاع في أسعار عسل النحل وجذب مزيفي العسل في السوق بكثرة للأسف.

مقدمة بسيطة

عند الحديث عن العسل العالمي. فإننا سنذهل ونتعجب عندما ندخل أحد المتاجر الكبيرة؛ لنمر بقسم الأعسال ونرى تشكيلة من الأعسال المتنوعة والكثيرة، ثم ندخل لأحد المتاجر الأخرى ونجد نفس النوع والكم، وعندما نعلم عن هذه المتاجر وعددها في الحي الذي نسكنه، ونبدأ بعدّ هذه المتاجر على مستوى المدينة التي نسكنها، فإن نسبة الأعسال ستزيد بالطبع. وعندما نقارن هذه المتاجر وأنواع الأعسال التي فيها بمدينة مجاورةٍ لنا، فإننا سنُذهل بالتأكيد من كميات هذه الأعسال الموجودة في المتاجر الكبيرة والصغيرة الموجودة في بلدنا-أيًّا كانت هذه البلدان-.

ولو قارنّا هذه الكمية بكميات الأعسال الموجودة في البلدان المجاورة ومتاجرها الصغيرة والكبيرة، ثم قارنا ذلك بكافة المتاجرالموجودة في بلدان العالم وأعداد المستهلكين للعسل على مستوى العالم ككل، فإننا سنتعجب كثيرا!

نتائج مذهلة بالطبع

سوف ينتابنا الذهول وستنقدح أسئلة مهمة حيث أن هذه الكميات عالية جدا، وسوف نتساءل-إن كنا مهتمين بالعسل الطبيعي-:

كيف تم توفير هذه الكميات بهذا الإستهلاك والتوزيع العالي جدا على المتاجر الصغيرة والكبيرة القريبة والبعيدة؟

سؤال مشروع!

لا أعلم هل يتاح لنا هنا أن نسأل عن ماهية هذه الأعسال وكيف تم توفيرها بهذا الكم الهائل؟

لا أظن أننا نستطيع الآن بعد هذه المقدمة البسيطة أن نجيب على هذا التساؤل. وهذا يتطلب منا أن نسبر أغوار هذه المشكلة التجارية العميقة وأن نعرف تفاصيلًا هي بعيدة عنا كل البعد -وهذا للأمانة العلمية-، ولأجل هذا سيكون هذا المقال طويلًا نوعًا وسآخذ بعضًا من وقتك الثمين عزيزي القارئ..

-بلدان إنتاج العسل

عندما نتحدث عن بلدان إنتاج العسل والبلدان كثيفة التزهير وأكثر الدول إنتاجًا لعسل النحل وليس عسلًا آخر. فإنه يأتي في أذهاننا هذه البلدان:

-أستراليا

-هنغاريا

-بلغاريا

-ألمانيا

-يوغسلافيا

-أوكرانيا

-سلوفاكيا

-البوسنة

-تركيا

-بولندا

-إيطاليا

-فرنسا

وغيرها من البلدان…

وأنا هنا لن أسيء لهذه البلدان وأحط من سمعتها، فهي من أقدم البلدان في إنتاج العسل وتربية النحل، وأنا أيضا لا مشكلة لدي من العسل المنتج محليًا من هذه البلدان فهي أعسال طيبة ولذيذة. وقد جربت عدة أنواع منها، خصوصا عسل الأزهار الربيعية من ألمانيا أرسله لي صديق يتعلم الألمانية هناك.

قالو عن العسل المنتج بكميات مثيرة للشك:

ولكن حتى نكون واقعيين أكثر، دعني أنقل لك عزيزي القارئ ماقاله بعض أعضاء جمعيات النحالين الأكثر قربا والأعرف منا في العسل المنتج من بلدانهم.

فهناك مقولة يتم ترديدها دائمًا بينهم : كل سابع جرة تفتح يوميا حول العالم هي لعسل مزيف!

فهذا أندريه كاندولف بروفساك من جمعية تربية النحل السلوفينية خلال المنتدى الاقتصادي في بولندا، حيث قال: إن العسل صنفته المفوضية الأوروبية على أنه السادس في قائمة المواد الغذائية المقلدة والأكثر تعرضا للخطر.

وهذه المقولة خطيرة وتزداد خطورة عندما يكون من أناس قريبين جدا من هذا المجال في بلدانهم.

يقول متحدث باسم Foodwatch: “لا يمكن تجاوز التصنيف الحالي للعسل من حيث السخافة يجب أن يلتزم مصنعوا المواد الغذائية بالإشارة على الأقل إلى بلدان المنشأ للمكونات الرئيسية لمنتجاتهم. وهذا ما لم يفعله مستوردوا العسل!

عدد النحالين في ألمانيا: للاطلاع أكثر

وهذه بيترا فريدريش من اتحاد النحالين الألمان حيث تقول: إن منظمتها تضم حوالي 81000 عضو في دفاترها – جميعهم من مربي النحل على نطاق صغير أو هواة مع متوسط عدد تسع مستعمرات نحل لكل عضو، ويوجد منهم فقط ما بين 500 إلى 600 مربي نحل محترف في ألمانيا ككل، على الرغم من الحب الوطني للعسل. 

وتقول: أن 20٪ فقط من العسل المستهلك هنا ينتج محليًا.

-الأمر أكثر تعقيدا:

وفي ألمانيا يوجد 700,000 خلية. و بحسب الخبراء هناك: فإن العدد هذا قليل جدا، ويضاف أيضا لقلة في أعداد النحالين؛ فقد حقق النحالون في الآونة الأخيرة حسب آخر إحصائية رسمية يبلغ إنتاج الخلية بمتوسط حوالى 25 كجم أي تقريبا حوالي 20,000طن سنويا. ويبلغ استهلاك الفرد الألماني من كيلو إلى كيلو و100 جرام وهو استهلاك عالي تقريبا. وبالحساب فإنا نستطيع أن نقول أنه تم تغطية 20% من الاستهلاك المحلي فقط، وباقي النسبة متروكة يملؤها السوق من العسل المستورد لألمانيا!

-هل نضيف معلومات أكثر حتى يتضح الأمر؟

خذ هذه المعلومة عزيزي القارئ : 

مهنة تربية النحل في ألمانيا هي مكلفة جدا، فهؤلاء النحالون الألمان ينفرون من هذه المهنة. بل إنه يموت وينقرض سنويا من النحالون أكثر ممن يدخلون في هذه المهنة، فوجود الوظائف والامتيازات سببت خروجا وهجرة من هذه المهنة، إضافة لوجود أعمال ومهن تدر مالا أكثر بجهد أقل.

  •  

-العسل المستورد وسعره الزهيد:

النحال في الدول الأوربية يعاني من دخول العسل المستورد وبسعر زهيد وبكميات عالية. وهذا ما يجعل المستهلك في غفلة عن الجودة؛ لأنها لامست الجانب المادي.

عسل الغابة السوداء

لماذا الغابة السوداء بالذات؟ لماذا لم تكان خضراء؟ أو صفراء!

إن هذه المسميات هي أسماء تسويقية للغرض التجاري، وهذه من الأساليب التي تنطلي على من كان بعيدا عن النحالين وعن مجال النحل وإلا فالسؤال الذي من المفترض أن يُطرح : مانوع الرحيق والأشجار التي في هذه الغابات؟ وهل عسلها من رحيق أزهار؟ أم من ندوة عسلية؟ أم يتم تصنيعه وإعادة ترويجه على المستهلكين بطرق دعائية واضحه ومكشوفة؟ وهل هذه الغابات تُنتج هذه الكميات العالية التي يتم توزيعها في بلدان العالم ويتم ضخ مبالغ دعائية عالية عليها؟ أظن الإجابة واضحة جدا أمامك عزيزي القارئ.

إحصائيات هيئة الغذاء في الاتحاد الأوروبي عن العسل

نشر موقع هيئة الاتحاد الأوروبي للأغذية على موقعه على الانترنت بيانات تفيد بحجم الواردات والصادرات من العسل، والتبادل التجاري بين الدول الصناعية في مجال الأغذية وبين دول الاتحاد، ونشر مؤخر إحصائيات عن حجم التبادل التجاري بين هذه الدول ودول الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. سنعرض أهم المعلومات التي تهمنا هنا ولها علاقة بموضوعنا.

 فهذه معلومات وضعت على مانشيت المجلة التي نشرت تحت عنوان سوق العسل في الاتحاد الأوروبي:

-العسل هو المنتج العالمي الثاني في الاتحاد الأوروبي حيث يصدرون (280000 طن) بعد الصين

  • وبلغ إجمالي عدد خلايا النحل:

18.5 مليون في 2019 (بزيادة 5.1٪ عن 2018)

  • وبلغ إجمالي عدد النحالين: 650000 نحال.
  • قطاع صغير على حجم الاتحاد الأوروبي لكنه مهم.
  • الاتحاد الأوروبي يتمتع بالاكتفاء الذاتي بنسبة 60٪ فقط في العسل
  • الواردات اللازمة لتغطية سوق الاتحاد الأوروبي من العسل لا يساوي الاستهلاك المحلي
  • الميزان التجاري للعسل في الاتحاد الأوروبي سلبي إلى حد كبير: فالواردات أكبر من الصادرات

دعنا نلقي نظرة عن الصين التي تعتبر أعلى بلد يصدّر العسل ولكن أي عسل؟

حكاية:

وهذا أحد الزملاء النحالين كان في الصين قبل ثلاثة أعوام، وقد كان في معرض لأدوات النحل والنحالة، يقول: وأنا أتجول في المعرض أتتني إحدى الموظفات في إحدى شركات إنتاج العسل الكبرى في الصين، لتقول له: هل تود منا أن نوفر لك عسلا بالكميات التي تريد والطعم واللون الذي تريد، ونضمن دخوله للبلاد ومروره على الجهات المسؤولة والرقابية وبسعر الثلاثة دولارات!

وصل إنتاج الأغذية المغشوشة مرحلة لا تطاق ولايصدقها عقل!

ووصل مستهلك العسل محل سخرية وتجربة لأعسال شركات ومؤسسات ناشئة

والخلل كل الخلل في جعل منشآت وجهات هي الحامي لغذاءه وصحته ولو كانت كذلك لما بيع التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بكل أريحية.

وبالرجوع للموضوع:

وبعدما قمنا بالبحث والتقصي وقمنا كذلك بجمع بيانات البلدان في عدد النحالين والخلايا، وجدنا أنه في جميع البلدان هناك قلة في عدد النحالين وأن غالبية البلدان التي وقع عليها البحث والتي هي من أشهر البلدان إعلاميا في إنتاج العسل، لا تغطي إجمالي الاستهلاك المحلي، بل وأن أحسنها حالا لا يغطي أكثر من 60% من إجمالي الاستهلاك المحلي !

-بلدان العسل وسوء الإنتاج 

تنتشر ثقافة بين عامة الناس أن إنتاج العسل مقرون بوفرة الأزهار، ومادام أن هناك أزهار فإن هناك فائض من العسل، وهذا صحيح من جهة لكن لنسأل هذا السؤال، ماذا لو كانت الأزهار متوافرة وبكثرة والرحيق يقطر من الأزهار افتراضا، لكن لا يوجد نحل يجرس الأزهار من  أين سيأتي العسل؟ 

إذا إنتاج العسل مقرون بوفرة النحل، ولن يتوفر النحل إلا إذا توفر النحال الذي بدوره يقوم بتربية النحل لإنتاج العسل، ثم إن هناك نقطة مهمة، فالنحالون الاحترافيون الذين يعتمد عليهم في إنتاج العسل لايشكلون إلا جزءا بسيطا من الإضافة للإنتاج المحلي في بلدانهم، والنحالون ذوو الحيازة البسيطة هم من يشكلون الغالبية العظمى من نحاليهم.

-بلدان مزهرة لكن بدون عسل. 

نحن نود أن نقول أنه لاعلاقة لرؤية الأزهار بكميات العسل المنتجة منها، إذا لم يوجد النحل، فلا عسل يخرج.

تحرير: عبدالله ال خميس

المراجع:

مجلة النحل الألمانية

هيئة الاتحاد الأوروبي للأغذية

شارك المقالة مع الآخرين

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on telegram
Share on whatsapp
Share on email
مراسلة
تحتاج مساعدة ؟
خدمة العملاء | وادي ديم
مرحباً بك في وادي ديم ..
كيف نساعدك ؟