احترت.. ماذا أسمي عنوان هذا المقال، هل أسميه “التعصب للنحل البلدي”؟ أم أسميه “مشكلة النحل المستورد”؟ أم أسميه “مشاكل النحالين”؟ أم أسميه “محاولة خلق مشكلة من العدم”؟ أو أسميه “اختلال الأولويات”؟ كل هذه في الواقع مواضيع سائغة للتسمية؛ ولكن ماذا أريد أن أقول بالضبط؟
هذا المقال في الواقع يسلط الضوء على مشكلة حقيقية بدأت تظهر للعلن، ولابد أن أذكر بعض الأمور التي أرجو أن تكون من الوسائل والأساليب التي يرجى فيها النفع وأن نعرف ماهي المشكلة.
ماهيّة المشكلة
هناك أصوات تطالب بإيقاف النحل المستورد نظرا لأنه أشكل ويشكل على السلالة البلدية، كيف ذلك؟ يذكر بعض النحالين أصحاب الحيازات من النحل البلدي أن النحل المستورد يحتوي على كثير من المشاكل وأنه سيؤثر على “ثروتنا من النحل البلدي ويجب إيقاف النحل المستورد للحفاظ على بقاء النحل البلدي..”
وحتى نعرف ماهو النحل البلدي والنحل المستورد سنذكرها بشيء من الإيجاز :
النحل البلدي
النحل البلدي هي السلالة الموجودة في شبه الجزيرة العربية وتختلف أنماطها بين كل منطقة وأخرى حسب التضاريس؛ فلكل نمط سلوك معين واختلافات بسيطة جدا قد تصعب على غير المختص.
النحل المصري
هو النحل الذي يأتي من جمهورية مصر العربية وليس هو النحل الأصلي فيها إنما هذا النحل توافد على مصر من جميع أقطار الدنيا عبر التحسين والإدخال فتم إكثاره هناك وتصديره لبعض دول الخليج. “فعلا أم الدنيا”
نحلتنا البلدية
تغزلنا وتغنينا بها دهرا ولازلنا وسنبقى نحبها، ولن يزايد أحد على معرفتنا بها وعشقنا لها كيف لا وهي إرث الأرض الأصيل كيف لا وهي المتكيفة على الأجواء المتقلبة، كيف لا وهي المنتجة للعسل إن قل وصعب إنتاجه؛ ولكن بإدارة سليمة وتعامل احترافي معها.
استغلال الموارد
هناك كمية مهدرة من الرحيق والأزهار البرية التي لا يوجد نحل كافي يستغل هذه الكميات المهدرة، سيقول قائل: والنحل البلدي أين هو؟ نقول: النحل البلدي للأسف عاجز عن سد هذا النقص ومجاراة الأزهار المتوالية! كيف ذلك؟
النحل البلدي فيه مشقة عالية في تربيته وهذا بلسان النحالين المحترفين، وهناك تكلفة عالية في تربيته خصوصا في ظل المناخ المتقلب، وأعداء النحل من طيور الوروار التي توافق هجرتها موسم تكاثر النحل، أو من قلة في الخصب والأزهار الربيعية التي يتكاثر عليها النحل، أو مشقة النقل للمسافات الطويلة والطويلة جدا، والمبيدات التي تكون في المزارع وغيرها الكثير !
كيف تتغنى بالنحل وأنه منتج وأنت هنا تذكر صعوبات الإكثار منه وأنه لا يتكاثر؟!
موسم التكاثر في فصل الربيع وهي الأشهر الثلاثة الأولى الميلادية وباقي السنة موسم لتدفق الرحيق. هذا باختصار .
لذلك كان لزاما على النحال الاستعانة بالنحل المستورد في ظل عدم قدرته على إكثار نحله خصوصا أصحاب المناطق الصحراوية، وما أكثر هذه الرقعة في بلادنا الفسيحة الأرجاء!
مجهر آخر على المشكلة!
دعونا نتساءل ونجيب بصمت مطبق: من الذي يحارب ويستميت من أجل إيقاف النحل المستورد؟ وهل هناك مصالح لهم في بيع النحل البلدي والاتجار به والاتجار باختلاق أزمة شح في المعروض من النحل، فتضرب أسعار النحل سقف الارتفاع؟
حتما إنه لأمر مثير للريبة!
ماهي حجة من طالب ويطالب بإيقاف النحل المستورد؟
وما كان حجتهم إلا أنهم “ألصقوا به جميع التهم وجميع السلبيات وأنه سبب موتا وغلاء وأنه سبب الشرور التي تعصف بالنحل وبالأشجار وأنه يحتوي على حشرات تسبب موتا للحيوانات الأليفة وغيرها الكثير من المشاكل”!
هناك مشكلة أتت على النحل في الموسم الماضي الشاتي 2022م وهي نفوق عام في المناحل في عموم الوطن العربي، والمملكة العربية السعودية لم تكن بمعزل عن هذا النفوق. (هنا المقال موت النحل) .
وهذه حجة لم تأخذ حقها من إقناع النحالين المتمرسين، لن أقول أنها غير موجودة بلى موجودة؛ ولكن الأسباب التي تم تشخيصها لم تكن واقعية بل تم تجييرها لصالح إيقاف النحل ولأسباب دقيقة قد تم تفصيلها في مقال سابق: (موت النحل)
وعند النظر لهذه الحجة التي بالفعل قام المسؤلون في وزارة الزراعة بالاقتناع بها ثم تم إصدار مذكرة توقيف تمنع النحل المستورد من دخول المملكة؛ ولكنهم بعد التدقيق والتثبت تم رفع الحظر عن النحل والسماح له بدخول الأراضي السعودية.
ثم على التسليم بهذا الإدعاء، هل يعتبر إيقاف النحل في ظل هذا الموت الجماعي والمستمر حلّا؟! بل هو أشبه بإطلاق رصاصة على النِّحالة في البلاد والقضاء على من لم يقضِ نحبه من النحل والنحالين! بل سيتعدى ذلك إلى المستهلكين الذين لايجدون من العسل إلا القليل والنادر جدا، والذي لن يكون إلا باهض الأثمان!
متى تتم المطالبة بإيقاف النحل المستورد؟
نحب أن نحقق الاكتفاء الذاتي في كل الصناعات والمنتجات، والعسل بالتأكيد يأتي ضمن أهم المنتجات الغذائية، والنحل هو المنتج للعسل ونطمع أن نحقق الاكتفاء الذاتي في تربية النحل والإكثار منه، وهذا يتطلب خططا شاملة ومدروسة وعلى مراحل سنوية متعددة؛ ليس في شهر أو شهرين!
(سنفرد مقالة عن هذا الموضوع لاحقا)
هي فتنة بين النحالين فعلا!
من الذي يعمل في مهنة النحل؟ هم نحالون سعوديون.
من الذي يعمل على النحل المستورد؟ هم -في الغالب- نحالون سعوديون.
لماذا يتم الاحتراب بين أبناء البلد وأصحاب المهنة الواحدة؟ لماذا لا نتحد ضد حماية هذه المهنة من المتسترين والعاملين بدون ذمة؟ لماذا لا نوحد جهودنا كنحالين في تثقيف المجتمع عن العسل المغشوش و”شبيه العسل” والشركات التي تأتي به وتضخه بقوة التسويق والمال؟ لماذا نتعامى عن الأولويات؟!
تحرير: عبدالله بن إبراهيم ال خميس
9شوال 1443ه