إكسير الحياة هو الماء الذي يشكل بناء المخلوق الحي. قال تعالى: “وجعلنا من الماء كل شيء حي”
ألم
تكثر الهموم على النحال عندما يتغير وجه الأرض إلى أن يتداركه الله برحمته. لأن اعتماد النحال على المطر وعلى الأرض اعتماد كبير جدا. ولأن النحل في فترة الشتاء يحتاج إلى إمداد بالطاقة ونسب بروتين مرتفعة والتي لا تكون إلا موجودة في الأزهار متمثلة في غبار الطلع والرحيق، ولكن هذا غير متاح في موسم الجفاف. والرحيق وغبار الطلع لا يكون إلا بعد موسم خصيب وممطر.
أمل
بعد أن تكاثرت الهموم على عاتق النحال. وكثر تفكيره في مستقبل طوائف النحل؛ لأن موسما كاملا من إنتاج العسل يعتمد على استمرار الغذاء الداخل لخلية النحل. فإنها تعصف الأفكار في ذهن النحال حدا لا يطاق. ثم يتساءل: ما هو مصير ملايين النحلات العاملات هذه؟ وهل يحدث وأن تنزل الأمطار على قُطر من هذه البلاد الشاسعة ليتم نقل النحل لهذا القطر؟ يردد لعل وعسى .
نزول المطر
وهكذا عندما يهطل المطر على حين غِرة، يتناقل المبشرون والناس أخبار الأمطار والسيول، وكأنها لم تسقط منذ عشرات السنين. وما هذا إلا حبا فيه، فهو أغلى مفقود وأعظم موجود. يتناقلونها مستبشرين، الأنفس تواقة والقلوب تلين والأكباد تترطب. ويُرى ذلك في عيني الراعي والنحال والفلاح. وهكذا نُغني بحماس :
أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً
منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا
وَقَد نَبّهَ النّيرُوزُ في غَلَسِ الدّجَى
أوائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا
يُفَتّقُهَا بَرْدُ النّدَى، فكَأنّهُ
يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا
وَمِنْ شَجَرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ
عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَما
وجه الأرض
تغير وجه الأرض فاكتست الأرض والجبال حللا جميلة. تتنوع فيها النباتات من كل نوع وصنف، ويتراقص النحل طرِبا. يحقق النحال الاستدامة بأمر الله. ويفرح بعد ذلك الرعاة جميعا فهذا يجنبهم شراء الأعلاف لأن الأعلاف في أوقات الجفاف تكون بأسعار مرتفعة بسبب قلة المياه الجوفية. ثم بعد ذلك يحمد الناس الله على ما أنزل من الخير والرحمة.
وأما النحال والراعي فيرددان :
يا مزنة غرا من الوسم مبذار
اللي جذبنا من بعيد رفيفة
قطعانّا ما ترتعي دمنة الدار
ترعى صحاصيح الفياض النظيفة
عودة وانتكاسة الحياة
وهكذا، وبعد مضي شهور الربيع تأتي أشهر الصيف، وبعد أن أخذ النبات الربيعي دورته العمرية؛ لأن كل نبات له عمر افتراضي محدد، يبدأ في الاستواء والاشتداد حتى تعقد البذور. وهكذا يبدأ يشحب وجه الأرض بعدما اكتست بحلل أخّاذة وجميلة. ولكن لا عجب، لأن هذه طبيعة النبات بل طبيعة الأرض بل طبيعة الحياة عموما. متى ما اكتملت وتزينت في شيء إلا وتبدأ معالم النقص تتضح فيه. ويقاس هذا الأمر على جميع الأشياء في هذا العالم.
أمل آخر
سيبقى الربيع عالقا في الأذهان. وهكذا يطمح الراعي والنحال بل والجميع بلا استثناء في أمطار تسبق فصل الصيف فهي أهم من فصل الربيع ، وكما قال الأوائل:
يا لله بصيفية نرعى بها دهر ولا وسمية نرعى بها شهر.
وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية هذه الأمطار الصيفية لأن الأمطار الصيفية هي الأهم في شبه الجزيرة العربية، ويحتاجها النحال لتغسل الأشجار وتتضاعف نسب الرحيق فيها. فهذا هو إكسير الحياة
فاللهم أغثنا وبارك لنا فيما أنزلت واجعل الأمطار نافعة لنا و بلاغا إلى حين.