عشق النحل ليس فقط لإنتاج العسل؛ بل هو أعمق من ذلك بكثير !
عشقن النحل واستغراب بعض الناس لعشقنا له وسؤالنا عنه، وعن ما هو الذي يستهويكم في عالم الحشرات هذا؟
ونسأل كذلك، هي من المهن الجديدة على المجتمع! فلا من مورّث لكم هذه المهنة ولا من بيئةٍ قريبة لكم ألهمتكم هذا الود الذي أنتم واقعون به !
جواب السؤال
أقول له : يا عزيزي أحسن الله إليك إن عشق النحل واجب على كل نحال! نعم. وقد صدقتَ في كل ما قلته وإني سأكون أكثر صدقًا معك ، وسأحلق بكـ عبر عالمٍ فريد ولن تستقر لك فكرة. ولن أدع مزاجك يقر له قرار، فاربط الأحزمة؛ لأن التحليق سيكون بواسطة جناح النحلة والتي يتحرك جناحها الواحد أثناء الطيران حوالي ١٧٥ حركة في الثانية الواحدة!
الجانب المادي
لن أقول لك أن الذي حببني في هذه المهنة هو مردودها المادي فحسب فهذا الحب يكون في البدايات، فنحن عملنا فيها قبل أكثر من عشر سنوات يوم أن كنا نحسب أن النحل يساوي عسلًا يساوي مردودًا ماديًا ..
فتبين لنا لاحقًا أن هذه معادلةٌ خاطئة. واليوم ومنذ خمس سنوات بدأنا نحس أن النحل عالم ضخم، بعيد عن النظرة المادية البحتة فإذا نظرت له من هذه النظرة فستخسره وتخسر العسل وتخسر المادة.
اقتنع بكلام من جرب ذلك ولاتكن عنيدًا
ينشأ الحب عادة من الألفة والارتياح ويكون ذلك في تشابه بعض الطباع أقول تشابه وليس تطابق – وقد أشار المفكر العربي مصطفى محمود إلى أنه لا يوجد في العالم شيء اسمه تطابق بين اثنين وسمى هذا : كذبة التطابق –. ليس هذا موضوعنا على كل حال -. ولكن لنعلم أن شبيه الشيء منجذبٌ إليه. وأن علاقة النحال بنحلهِ هي علاقة صداقةٍ من نوعٍ فاخر، حيث يألف بعضهما الآخر، فهما يتشابهان في أنهما يحبان العمل. فلا يوجد كما النحلةِ يُضرب بها المثل في العمل والتفاني فيه (تضيء لكي تحترق) ولا يوجد أيضًا كما النحال في عصاميته.
عالم فوضوي
قد تعد ذلك أيها القارئ العزيز ضربًا من المبالغة أو شيئًا من النرجسية. ولكن سأخبرك بهذه الكلمات بغير ما تراه عينك في وسائل التواصل من جهد يقوم النحال به.
بداية النشاط والمشقة
يأتي فصل الربيع فينشط النحل وينشط كذلك معه النحال، حتى تبلغ درجة الحرارة ذروتها في فصل الصيف ويطلب النحل من النحال مضاعفة الجهد وأحيانًا يصادف ذلك شهر الصوم. فيكون الجهد والمشقة أضعافًا مضاعفة وتكون رائحة الزهر وعبقها منتشرة في وسط الصحراء!
أليس هذا كافيا؟
أرأيت التضاد في حياة النحال ؟! حر شديد وجهد ومشقة
وزهر جميل ونحل سارح وارتقاب لرشفة العسل!
ألم تحسّ معي بمتعةٍ ما خفية في هذه القصة القصيرة ؟
إن لم تحس بها فسأخبرك أكثر.
النشاط المستمر
حينما آتي إلى المنحل وألاحظ سروح النحل والعمل الدؤوب خارجًا. لا أستطيع مقاومة الرغبة والفضول لدي، فأشعل المدخن وهو ضروري للنحل حتى يهدأ وأفتح غطاء الخلية وتبدأ هنا مشاعر الخوف لدي، عسى أن يكون النحل بخير أولًا ويكون قد عمل عملًا يُعجب النحال؛ وكي ألاقي ثمرة جهدي المنتظرة والمرجوة.
خوف مرتقب وواقع مر
أرفع بكل هدوء أحد الإطارات (الأقراص الشمعية) فأجد عالمًا عاملًا يختلف عن الواقع، عالمًا مرتبًا يفوق بنظامه جميع أنظمة العالم. فمملكة النحل لا يضاهيها في عملها وترتيبها شيء حتى أن حياة النحل أرتب من حياة البشر!
النظام الفطري
أجد العاملات يُحطن بالملكة لأخذ الأوامر ومن ثم توزيعها بين أفراد الطائفة، وجزء من العاملات يساعدنها في وضع البيض وجزءٌ منهن يقوم بالأعمال المنزلية: من تغذية للصغار ومن التنظيف ومن إنضاج العسل، ومن عمليات البناء المعقدة ومن عمليات الحراسة المشددة، هؤلاء هن العاملات الإناث يقمن بدورهن في مملكتهن للاستمرار في الحياة، أما ذكور النحل تراها لاعمل لها غير الأكل من العسل والسير داخل الخلية فقط. هذا عمل الذكر إذا كانت الملكة ملقحة وأكرر هذا ذكر النحل لا يعمم على الجميع !!
نظام في الداخل والخارج
كل هذه الأعمال تتم داخل هذا الصندوق الخشبي، أما خارج هذا الصندوق فتلك حكاية أخرى ..
نعم هذه حكاية أخرى. فإنك ترى الأعمال موزعة بالتساوي وبالعدل فكل حسب طاقته وعمره. فمن العاملات من يكون عملها جمع حبوب اللقاح ومنهن من يكون عملها جمع الرحيق ومنهن من يكون عملها جمع الصمغ(العكبر أو البروبليس)، ولابد لهؤلاء من مستكشفات يخبرن بعضهن عن ما لقينه من مصادر .
خلق عظيم
ألا يجعلنا هذا نفكر في خلق الرحمن؟ ونزداد يقيناً في أن هذا الخلق الدقيق يدل على خالق عظيم؟ (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)؟(سورة الملك)
خلق الخلق وأوجد له رزقه وقدر له معاشه وصوره فأحسن تصوير فتبارك الله أحسن الخالقين. ألا يجعلنا هذا نعيد النظر في عشق النحل؟
الساعات الأخيرة من لحظات عشق النحل
تأتي بعد ذلك ساعاتُ آخر النهار فيعود جميع النحل السارح إلى خلاياه وتكون هناك بعض الأعمال الداخلية في انتظاره، وأعود أنا أيضًا في هذه الساعة لأغلق قلمي وأستعد لصلاة المغرب، وأحاول أن أنهي هذا الحديث الشيق كما ينهي النحل عمله ونشاطه اليومي، هذا ما جاد به قلمي وأعتذر عن الإطالة أو لا عذر؛ لأنه لن يصل هنا إلا من أراد القراءة بحق، أودعكم على أمل اللقاء في خاطرة أخرى تكون أكثر صدقًا!
حرر في ١٢/٢/١٤٣٩هـ
عبدالله ال خميس