العسل عند ابن القيم. ننقل لكم كلام ابن القيم عن العسل الوارد في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد.
” وفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج استطلاق البطن، في الصحيحين : من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: [ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه : وفي رواية : استطلق بطنه فقال : اسقه عسلا، فذهب ثم رجع فقال : قد سقيته فلم يغن عنه شيئا، وفي لفظ : فلم يزده إلا استطلاقا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول له : اسقه عسلا، فقال له في الثالثة أو الرابعة : صدق الله وكذب بطن أخيك ]
وفي صحيح مسلم في لفظ له : [ إن أخي عرب بطنه ] أي فسد هضمه واعتلت معدته، والاسم العرب بفتح الراء والذرب أيضا.”
من فوائد العسل وقد تم ذكر الكثير من الفوائد في هذه الصفحة
“والعسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها. وهو محلل للرطوبات أكلا وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم، ومن كان مزاجه باردا رطبا. وهو مغذ ملين للطبيعة حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة. منق للكبد والصدر مدر للبول موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون وإن شرب وحده ممزوجا بماء نفع من عضة الكلب الكلب وأكل الفطر القتال، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر. وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ويحفظ كثيرا من الفاكهة ستة أشهر ويحفظ جثة الموتى ويسمى كذلك الحافظ الأمين وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث ولعقه على الريق يذهب البلغم ويغسل خمل المعدة ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح سددها، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو”.
العسل غذاء آمن
“وهو مع هذا كله مأمون الغائلة قليل المضار مضر بالعرض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعا له جدا، وهو غذاء مع الأغذية ودواء مع الأدوية وشراب مع الأشربة وحلو مع الحلوى وطلاء مع الأطلية ومفرح مع المفرحات، فما خلق لنا شئ في مثل معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه. ولم يكن معول القدماء إلا عليه وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريبا وكان النبي صلى الله عليه و سلم يشربه بالماء على الريق وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصحة.”
هديه صلى الله عليه وسلم في استخدام العسل
“وفي سنن ابن ماجه مرفوعا من حديث أبي هريرة (من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء ) وفي أثر آخر : (عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن) . فجمع بين الطب البشري والإلهي وبين طب الأبدان وطب الأرواح وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي. و إذا عرف هذا فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه و سلم العسل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء.
العسل والمعدة
فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها فإن المعدة لها خمل كخمل القطيفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط. والعسل جلاء والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء لا سيما إن مزج بالماء الحار”.
العسل عند ابن القيم وجميل استنتاجاته
“وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء إن قصر عنه لم يزله بالكلية وإن جاوزه أوهى القوى فأحدث ضررا آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه و سلم أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله. واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض مرض من أكبر قواعد الطب”.
من أسباب عدم استفادة المريض بالعسل
“وفي قوله صلى الله عليه و سلم : [ صدق الله وكذب بطن أخيك ] إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه؛ ولكن لكذب البطن و كثرة المادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة
وليس طبه صلى الله عليه و سلم كطب الأطباء؛ فإن طب النبي صلى الله عليه و سلم متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة. فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور – إن لم يتلق هذا التلقي – لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم ومرضا إلى مرضهم، وأين يقع طب الأبدان منه فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطبية كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطبية والقلوب الحية، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن طب الإستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع وليس ذلك لقصور فى الدواء ولكن لخبث الطبيعة وفساد المحل وعدم قبوله والله الموفق”.
العسل عند ابن القيم
المرجع:
[ زاد المعاد – ابن القيم الجوزية ]
الكتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
الناشر : مؤسسة الرسالة – مكتبة المنار الإسلامية – بيروت – الكويت
الطبعة الرابعة عشر ، 1407 – 1986
تحقيق : شعيب الأرناؤوط – عبد القادر الأرناؤوط
عدد الأجزاء : 5
نقل وتحرير: فريق وادي ديم